التقليد على شبكة الإنترنت
بقلم المحامي الدكتور شربل وجدي القارح |
---|
1. يشكّل التقليد على شبكة الإنترنت عاملاً في تطورّ مستقر، يستفيد من عولمة التبادل دون ان يوفّر اي قطاع اقتصادي. فالأرقام التي تظهرها الدراسات والأبحاث، تؤكد ان التقليد على شبكة الشبكات قد امتد تدريجياً عبر السنوات العشر الأخيرة، الى اغلب القطاعات الإقتصادية، وبات يهدد التجارة الإلكترونية للمؤسسات، فيما لو لم يصار الى اعتماد سياسات معالجة.
اولاً: ماهية التقليد على شبكة الإنترنت
2. ان التقليد على شبكة الإنترنت هو آفة مستشرية واشكالية باتت كونية، استفحلت خلال السنوات الأخيرة، حيث اعتاد بعض تجار الشبكة، على التعدّي على حقوق الملكية التجارية والصناعية للغير، مستفيدين من خصائص العولمة الإفتراضية المتمثّلة بالشبكة العنكبوتية، التي تسهّل القيام بهكذا اعمال جرمية عن بعد. ان البنية التحتية لخدمات الإتصال بشبكة الإنترنت التي هي قيد النمو في لبنان، تنعكس سلباً على نمو التجارة الإلكترونية، مما ينعكس ايجاباً ولحسن الحظ، على عدم تفشي التقليد على شبكة الإنترنت نسبياً في لبنان.
3. يوجد نوعان من التقليد على شبكة الإنترنت: النوع الأول هو التقليد الإلكتروني المقترف بالكامل على الشبكة، والذي يستهدف الإبتكارات اللامادية او الأنظمة المعلوماتية؛ اما النوع الثاني، فهو التقليد المقترف بواسطة الشبكة والذي يستهدف المنتجات والبضائع على انواعها.
عينة من نسبة فئات البضائع المشتراة على شبكة الإنترنت في فرنسا[1]
4. في النوع الأول، يكون التقليد مقترفاً بالكامل على الشبكة، بحيث تشكّل شبكة الإنترنت ارضية فعّالة لإنتاج غير مشروع لأعمال التقليد او للتعدي على الملكية الفكرية كالصور، الماركات التجارية، الشعارات، النصوص، الموسيقى، الفيديوات... خاصة وان طبيعة الملفات الرقمية لا تميّز بين الأصل والنسخة. وقد ذهب المقلدون الى ابعد من ذلك، اذ تمكّنوا، عبر ادوات تكنولوجية متطوّرة، من تزوير مواقع الكترونية ومحتواها بالكامل، بغية ايقاع المستعملين في اللغط، وبالتالي حملهم على ادخال بياناتهم الشخصية او كلمات سرّهم او مرورهم من اجل اقتراف جرائم، وهي تقنية معروفة اليوم تسمى « Phishing »[2]. ومن انواع التقليد المقترف بالكامل على شبكة الإنترنت، نذكر ما تقوم به بعض المواقع الإلكترونية من انتاج لبضائع مقلّدة، بغية جلب الزبائن بأقل كلفة ممكنة. لكن الصعوبة الأكبر تكمن في مجهولية اقامة اغلبية هذه المواقع، فلا يكون امام المتضرر سوى اللجوء الى تحديد مورد خدمة الإنترنت للموقع المقلّد تمهيداً للطلب منه وقف التعدي، والا إتخاذ قرار قضائي بوقف الموقع، لكنها غالباً ما تكون هذه الحلول غير مجدية نظراً لتعدد الصلات والمواقع التي يمكن ان تنشر نفس المحتوى، ولتعدد المحميات القانونية في العالم.
عينة من نسب برامج الحاسب الآلي المقلّدة في بعض البلدان[3]
5. اما بالنسبة للنوع الثاني من التقليد على شبكة الإنترنت، فهو ذلك التقليدي الذي يقترف بمساعدة الشبكة للنفاذ على العالم. عملياً، يوجد ملايين المواقع على الشبكة اليوم في كافة اقباع الكرة الأرضية، التي تقدّم بضائعاً ومنتجات مقلّدة. ومرد نجاح هذه المواقع بشكل رئيسي الى انتشار انظمة الدفع الإلكتروني الآمنة، كما والى تسهيلات شركات الشحن السريع. فكل هذه الحلول اللوجستية التي تساهم في نجاح التجارة الإلكترونية بشكل عام، تساهم ايضاً في تطوير وازدهار شبكات التقليد على الإنترنت، وغالباً ما تكون متّصلة بجرائم منظّمة.
نموذج عن موقع الكتروني صيني يعرض بضائعاً مقلّدة[4]
6. اضافة الى نوعا التقليد المذكوران آنفاً، لا بدّ من الإشارة الى التقليد الواقع على اسماء او عناوين المواقع على شبكة الإنترنت والذي يستفيد منه نوعا التقليد، والمسمى قرصنة اسماء المواقع « Cybersquatting ». وهو يشكّل اداة فعّالة لتقليد الماركة التجارية على الشبكة وبات اليوم تجارة فعّالة لقراصنة الشبكة[5]. عملياً، يقوم قراصنة الشبكة بتسجيل نظامي لعدد من اسماء مواقع الماركات التجارية المعروفة عالمياً، مع بعض الفوارق المطبعية البسيطة اذا استحال الأمر، مقابل تكلفة زهيدة (10 دولارات مثلاً)؛ ليقوموا بعدها بمفاوضة مالك الماركة الحقيقي او منافسه المقلِّد على سعر اعلى. فيكون على مالك الماركة الحقيقي اما اللجوء الى آلية حلّ موحّدة لنزاعات اسماء المواقع (UDRP Policy) [6] وكلفتها مرتفعة نسبياً (1500 دولار لكل اسم موقع بحسب مؤسسة الحلّ المختارة)، واما شراء موقعه من القراصنة بكلفة اقل وذلك دون نفي احتمال مزايدة المنافس المقلّد وعرضه مبلغ اعلى. خاصة وان الآلية الموحّدة لحلّ نزاعات اسماء المواقع لا تقضي بتعويض مالي او بعطل وضرر، انما فقط بقرار اداري ينحصر بتحويل اسم الموقع او بإبطاله اذا ما توافرت شروط كل منهما.
ثانياً: طرق تجنب التقليد على شبكة الإنترنت
7. ان التجارب الغربية، اظهرت بشكل واضح ان معالجة جرائم التقليد على شبكة الإنترنت هي اشكالية معقّدة تتطلب خلق شبكة تعاون تجمع كافة اللاعبين من سلطات عامة، تجّار إلكترونيين، مؤسسات دفع إلكتروني، جمارك، اصحاب الحقوق الشرعيين على الملكية التجارية والصناعية والمعلوماتية، جمعيات مستهلكين، اجهزة حماية الملكية الفكرية وشركات الشحن والبريد. يفترض على هذه الشبكة ان تعمل عبر نظام تبادل للمعلومات تكون وظائفه الأساسية : المراقبة – تبادل المعلومات بين الأعضاء – انشاء قاعدة بيانات بالبضائع المقلّدة[7].
8. عند شراء المستعمل لأي منتج على شبكة الإنترنت، عليه اولاً التنبه الى طريقة الدفع المقترحة. اذ يجب التأكد من امكانية اعادة الثمن، خلال مهلة محددة فيما لو كان المنتج مغايراً او مقلّداً، اذ ان الشاشة الإقتراضية تعكس احياناً كثيرة وقائعاً ملتبسة، والأهم التأكد من عنوان التاجر الإلكتروني سواء اكان شخصاً معنوياً او طبيعياً، وارقام هواتفه، بشكل يدّل بشكل واضح على وجوده وامكانية مساءلته. ان نتائج بحث معيّن عن ماركة عالمية في محرك بحث على شبكة الإنترنت، يعطي غالباً نتائج متعددة منها مواقع مقلّدة ومنها صحيحة، فيجب دوماً التأكد من اسم الموقع ومحتواه قبل الإقدام على التعاقد والشراء عبر الشبكة، وخاصة في منتجات الأدوية الطبية، برامج الحاسب الآلي والمنتجات الفخمة (كالساعات والمجوهرات...).
9. ينبغي على المستهلك ايضاً تجنب المواقع المرآة التي تتكون من نفس كلمات واحرف الماركات العالمية المحمية لكن عبر اضافة بعض الفوارق او الأحرف الإضافية، وغالباً ما تقدّم البضائع المزورة بأسعار زهيدة كأن يصار الى الإعلان الى انها نهاية تصفية او الى انها مقدّمة عبر مواقع مزاد علني... وما يجب التنبه له دوماً، الى انه في بعض البلدان، قد يصار الى تطبيق غرامة على مستورد البطاعة المقلّدة عبر الإنترنت فيما لو تمّ ضبطها من قبل الجمارك عند شحنها عن بعد، او محاولة ادخالها البلاد.
10. ما يمكننا النصح به ايضاً، هو ان يصار الى القراءة والتدقيق اكثر قبل القيام بعمليات شراء على الشبكة. على سبيل المثال، قراءة افادات المستعملين المنشورة على مواقع تواصل او على مواقع متخصصة كموقع leguide.com مثلاً (او حتى يمكن اللجوء الى بحث بسيط عن المنتج على محرّك البحث لإيجادها). يجب تجنب المواقع الإلكترونية التي لا تنشر معلومات عن التاجر الإلكتروني او عن اسمه التجاري او عنوانه وارقام هواتفه... فشفافية التاجر الإلكتروني على شبكة الإنترنت تشكّل علامة ثقة، وهي تسمح بالتأكد من صحة وجود الشركة، ويمكن للمستهلك اللجوء الى موقع الصفحات الصفراء لكل بلد (مثلاً yellowpages.com.lb) للتثبت من معلومات وبيانات التاجر المنشورة الكترونياً. كما يمكن لمستهلكي الشبكة التأكد من ان التاجر الإلكتروني مسجلاً في السجل التجاري، وبالتالي تصفح الموقع بشكل دقيق للتأكد من ورود رقم التسجيل وفي اي سجل مسجّل. ومن المفضّل دوماً، في التسوق الإلكتروني، اللجوء الى المواقع الإلكترونية الوطنية كونها تشكّل ضمانة لملاحقة لتاجر في حال اخلاله بموجباته، طبعاً ضمن ضوابط متعلقة بكل بلد، وتجنباً لبعض المحميات القانوينة الموجودة في بعض البلدان.
ثالثاً: بعض الحلول لمكافحة التقليد على شبكة الإنترنت بالنسبة لأصحاب الماركات
11. لمكافحة تقليد بضائعهم وخدماتهم الإلكترونية او المادية على شبكة الإنترنت، على التجّار اصحاب حقوق الملكية اعتماد الإجراءات التالية:
أ) التواجد على المستوى العالمي عبر الشبكة: ان المواقع المقلّدة تعمل عبر التواجد على قنوات الكترونية مثل محركات البحث، المزادات العلنية الإلكترونية، مواقع تجارة الكترونية من بائع الى بائع (B2B) الخ. في الواقع، تشكّل عشرة مواقع الكترونية فقط 80% من تجارة المقلديّن على الشبكة[8]. فإذا تم السيطرة عليها يكون اصحاب الحقوق الشرعيين قد ربحوا المعركة على شبكة الإنترنت، سيما وان المقلّدين تمكنوا من خلق اماكنهم على الشبكة بفضل تكنولوجيا المعلومات.
ب) مراقبة اماكن ومواقع التقليد: ان طريقة عمل المقلّدين عبر شبكة الإنترنت تستند دوماً على فتح قنوات الكترونية جديدة، سواء عبر وصلات الكترونية بسيطة او مساحات متعددة الوصلات وبكافة الإتجاهات. فيكون على اصحاب الحقوق الشرعيين محاربة النار بالنار، كاللجوء الى نفس التقنيات، سواء عبر اعتماد تسويق منتجاتهم على محركات البحث مقابل عوض او حتى انشاء وصلات متبادلة مع مواقع اخرى، او التسويق عبر شبكات التواصل الإجتماعي، اعتماد سياسة قرصنة اسماء المواقع، او الإغراق البريدي وكلها بهدف تحويل المستهلك عبر الشبكة نحو موقع الماركة الشرعي. في الواقع، انها حرباً مفتوحة على الشبكة، وتكون بالتالي كافة الأسلحة والسياسات مسموحة ومعمول بها في ظل غياب لسلطة رقابة مركزية.
ج) اتخاذ اجراءات قانونية: على اصحاب الحقوق الشرعيين على شبكة الإنترنت مراقبة المقلّدين عن كثب، وبالتالي تحديد المقلدين الذين يملكون اكبر عدد من حركة التبادل او البيع، كما تحديد كبار قراصنة اسماء المواقع. ومن ثم الطلب من ابرز محركات البحث (Google – Yahoo – Bing) سحب إعلانات البضائع والخدمات المقلّدة، سيما وان اغلب محركّات البحث قد وضعت قواعد وآليات للحدّ من المقلدّين والمتعدّين على حقوق الملكية الفكرية. اضافة الى امكانية تقديم شكوى لجانب مقدّم خدمة الإتصال بشبكة الإنترنت (Internet Service Provider) بغية ايقاف الموقع المقلّد، خاصة بعد القرار الذي صدر مؤخراً في الولايات المتحدة الأميركية والزم مورد خدمة الإنترنت بدفع 32 مليون دولار لعدم ايقافه موقعاً يعرض بضائعاً مقلّدة[9]. وبالتوازي مع ذلك، يكون على اصحاب الحقوق الشرعيين اللجوء الى القضاء المختص لمقاضاة كبار المقلّدين او قراصنة اسماء المواقع بغية فرض عطل وضرر او عقوبة مالية عليهم لردعهم من التمادي في اجرامهم.
د) اخيراً، يجب الحرص على تسجيل الماركات التجارية داخلياً في بعض البلدان التي تأوي المقلّدين، كالصين مثلاً، بغية ملاحقة المقلّدين عبر الشبكة وامكانية مطالبتهم بالعطل والضرر.
12. في الخلاصة، ان شبكة الإنترنت ليست مكاناً خارجاً عن القانون، لكن بعض الأعمال الغير مباحة التي تجد ملاذاً لها على الشبكة، تتطلب تكاملاً بين النصوص والقواعد القانونية التي يجب ان تكون مناسبة ومنسجمة من جهة وبين التقنيات التكنولوجية لضمان تنفيذ القواعد القانونية بشكل فعّال وسريع من جهة اخرى.
[1]- مصوّر متوافر عبر الموقع التالي: http://www.journaldunet.com/cc/04_ecommerce/ecom_cyberconso_fr.shtml.
[2]- لمزيد من المعلومات، راجع الموقع التالي: http://fr.wikipedia.org/wiki/Hame%C3%A7onnage.
[3]- مصوّر متوافر عبر الموقع التالي: http://gustmeesfr.wordpress.com/2012/01/15/securite-pc-et-internetsecurite-cest-quoi-2/.
[4]- موقع لكتروني تمّ اغلاقه. مصوّر متوافر عبر الموقع التالي: http://mafioso.onlc.fr/index.php?page=9.
[5]- لدراسة شاملة حول نزاعات اسماء المواقع على شبكة الإنترنت، يمكن مراجعة مؤلفنا حول الآلية الموحّدة لحلّ نزاعات اسماء المواقع، قانون الإنترنت، الجزء الثاني، صادر، المنشورات الحقوقية.
[6]- لمعلومات اضافية، راجع مؤلفنا حول الآلية الموحّدة لحلّ نزاعات اسماء المواقع، قانون الإنترنت، الجزء الثاني، صادر، المنشورات الحقوقية.
[7]- لمزيد من المعلومات حول هذه الشبكة، راجع: Olivier Darrason, Contrefaçon sur Internet : des fraudeurs de plus en plus menacés ! Disponible à partir du site : http://www.latribune.fr/opinions/20090513trib000375869/contrefacon-sur-internet-des-fraudeurs-de-plus-en-plus-menaces-.html
.
[8]- لمعلومات اضافية، راجع: Livre Blanc, Les sept meilleures pratiques pour lutter contre la vente de contrefaçons en ligne, Septembre 2010, Disponible à partir du site : http://experts-it.fr/files/2011/04/MM_7-Best_PracticesFighting_Counterfeit_Sales_WP-FR.pdf.
[9]- لمعلومات اضافية، راجع: Louis Vuitton Malletier, S.A. v. Akanoc Solutions, Inc. et al.; Disponible à partir du site: http://www.ft.com/cms/s/0/54c5a3a4-9686-11de-84d1-00144feabdc0.html?catid=57&SID=google&nclick_check=1.