الاقتراع الالكتروني في نقابة
المحامين في بيروت
E-VOTE
(مقال منشور في المجلة القضائية-صادر-2019)
بقلم المحامي الدكتور شربل وجدي القارح |
---|
كانت نقابة المحامين في بيروت اولى المؤسسات على مستوى الوطن، التي قامت بإنفاذ وتنظيم عملية الاقتراع الالكتروني المتكامل اللامادي، بنجاح كامل بكافة مراحله وذلك عام 2016، وهو ما يزال متبعاً لغاية تاريخه. وكان ذلك بعد ان اقر مجلس النقابة في عهد النقيب الشيخ انطونيو الهاشم، مشروع الاقتراع الالكتروني كما احيل من مركز المعلوماتية، وعهد الى هذا الاخير مهمة كتابة اعداد وتنفيذ البرنامج مع شركات متخصصة، كما وتنظيم الاقتراع بكامل مراحله لا سيما على المستوى البرمجة والاعتدة.
اولاً: المفهوم العام
يتميز مشروع الاقتراع الالكتروني E-vote، بكونه يعتمد بشكل رئيسي على عملية رقمية لاحتساب الاصوات بشكل مُغفل، اي دون الدلالة على شخص المقترع. ويكون ذلك، بفضل البطاقات الذكية العشوائية Randomly التي تم ادخالها على النظام، وعلى هذا الاساس يقوم النظام بإحتساب ارقام بطاقات ذكية لا تتصل بالناخب كما سنبينه فيما بعد.
من المميزات التي يتمتع بها البرنامج، بكون الفرز يكون آنياً تماماً بلحظة ادلاء الناخب بصوته، ويتم الفرز اعتباراً من ملقم او حاسوب مركزي، مهمته عد وحفظ الاصوات من جهة، وانشاء نسخة ثانية على ملقم آخر (Back up server) لمزيد من الامان. كما يمكن اعتماد شبكة سلكية لربط كافة نقاط الاقتراع ببعضها البعض، كما من الممكن اعتماد شبكة لاسلكية شرط ان تكون مغلقة ومحمية ببرامج امان بشكل تمنع اي ولوج او دخول غير مشروع عليها.
وقد كان لمركز المعلوماتية دوراً مؤثراً على مستوى اعداد الدراسات، ضبط المعايير، الرقابة والاشراف التقني والمعلوماتي، خاصة لناحية التأكد من ملائمة النظام مع الغايات المرجوة كما وانظمة واعراف وعادات انتخابات نقابة المحامين وذلك في مرحلة قبل، اثناء وبعد يوم الانتخاب. اضافة الى ذلك، يلعب العتاد المعلوماتي دوراً جداً مهماً بحيث يجب اختيار العتاد بشكل يتلاءم والانظمة المعلوماتية، خاصة لناحية ضمان سرعة العملية الانتخابية واتصال الاقلام الانتخابية الالكترونية ببعضها البعض.
مركز المعلوماتية في النقابة مع فريق العمل التقني يوم انتخابات عام 2016
وقد اثبتت تجربة نقابة المحامين في بيروت، ان اعتماد الاقتراع الالكتروني بكامل مراحله، ليس فقط ممكناً، انما ناجحاً جداً، وخطوة يجب اتباعها في مختلف المؤسسات، خاصة العامة منها، نظراً لدقة النتائج التي تنتجها، ولمستوى الشفافية والامان العاليين التي يتميز بها.
ثانياً: الاطار القانوني للاقتراع الالكتروني
ان الاقتراع العادي او المادي يتطلب استعمال الاوراق الانتخابية، الصناديق الخشبية، القوائم الانتخابية، فرزاً يدوياً، مندوبين عن المرشحين لمراقبة عملية الاقتراع والفرز وتسجيل الاعتراضات المحتملة، تعداد الاصوات، ختم المحضر وتسليمه الى اللجان الرئيسية التي يكون عليها واجب احتساب كافة الاقلام تمهيداً لاصدار النتيجة.
اما في الاقتراع الالكتروني، فلا يوجد لا صناديق خشبية ولا لوائح انتخابية ورقية معدة سلف، ويكون بالتالي لكل محام ناخب الخيار المطلق في اختيار اسماء المرشحين اعتباراً من شاشة الاقتراع الإلكتروني، عبر انتقاء اسمائه اسماً اسماً ولحد اقصى اربعة مرشحين في انتخابات عضوية مجلس النقابة ولحد اقصى خمس مرشحين في انتخابات لجنة ادارة صندوق التقاعد، بعد ان تم اعداد النظام بشكل يستحيل معه قبول اكثر من العدد المسموح به قانوناً من جهة، ومن جهة ثانية وجوب ان يصدر عن الناخب عمل ايجابي متى دخل العازل، فإما يختار مرشحاً او اكثر او ورقة بيضاء.
على المستوى القانوني، تنص المادة 50 من قانون تنظيم مهنة المحاماة على انه يجري الانتخاب بالاقتراع السري وتحدد القواعد الاصولية للانتخاب في النظام الداخلي. اما المادة 48 من النظام الداخلي للنقابة، فتنص على انه مع مراعاة المادة 50 من قانون تنظيم مهنة المحاماة، يحدد مجلس النقابة طريقة التصويت في جميع اجتماعات الجمعية العامة.
وقد حددت المادة 46 من النظام الداخلي للنقابة شرطاً خاصاً اذ نصت على ان لا يشترك في الجمعية العامة ولا يحضر اجتماعاتها الا المحامون الذين دفعوا رسوم الاشتراك قبل اول ايار من السنة التي تعقد فيها الجمعية العامة، ومن جرى قيدهم في الجدول العام بعد التاريخ المذكور حتى 30 ايلول، ما لم يكن موعد دفع الرسوم قد مدد من قبل مجلس النقابة الى ما بعد 30 نيسان فيعتمد التاريخ المحدد من اجل حق الاشتراك في الجمعية.
اذاً، ومع اقرار مجلس النقابة اعتماد الاقتراع الالكتروني السري سنداً للمادة 48 من النظام الداخلي معطوفة على المادة 50 من قانون تنظيم المهنة، اضافة الى موجب التقيد بكافة الاحكام الخاصة لجهة سداد الاشتراك السنوي وغيرها من الشروط المفروضة، يكون الاقتراع الالكتروني مستوفياً لكافة الشروط القانونية وبالتالي اعتماده يكون صحيحاً ومسنداً.
اما بالنسبة لسرّية الاقتراع، فقد كثر الكلام تارة عن وجود السرية وطوراً بكون البطاقات الذكية لا تؤمن السرية، في حين لم يكن لاي من هذه المداولات سنداً او حججاً داعمة. في الواقع، يتم اعماد حوالي /7000/ بطاقة ذكية ذات رقم عشوائي في كل عملية انتخابية، يتعرف عليها النظام مسبقاً، بحيث يزود كل قلم بحد اقصى /150/ بطاقة ذكية ذات رقم عشوائي Random smart cards بحسب عدد الاصوات الاقتراعية في كل قلم، يتم توضيبهم قبل يوم الاقتراع، ويوزعوا على الاقلام.
بطاقة الاقتراع الذكية ذات الرقم العشوائي
عندما يمثل المحامي الناخب ويبرز بطاقة المحاماة خاصته، يقوم رئيس القلم بالتأكد من هويته ويزوده ببطاقة ذكية ذات رقم عشوائي كما اسلفنا، لا تحمل اية صلة او رابط بين هويته وبين البطاقة الذكية التي تحتوي على رقماً متسلسلاً مؤلفاً من 10 ارقام (10 Digits) كالتالي: /0003015285/. فعندما يقوم المحامي بالاقتراع عبر ادخال البطاقة الذكية واختيار اسماء مرشحيه، يقوم النظام بالتأكد من توافر الرقم المتسلسل للبطاقة في قاعدة بياناته التي لا تحتوي سوى على ارقام تسلسلية في مرحلة اولى، وفي مرحلة ثانية يقوم النظام بإحتساب الصوت للمرشح الذي تم اختياره بواسطة الرقم التسلسلي.
آلية تمرير بطاقة الاقتراع الذكية على القارئ
اذاً، تكون العملية الاقتراعية الالكترونية عبارة عن تعارف رقمي بين الاعتدة من جهة اي بين الاقلام الالكترونية واحتسابها على الملقم الرئيسي من جهة ثانية، وتكون العملية بالتالي سرّية بإمتياز، ويكون من المستحيل علمياً وتقنياً معرفة من الشخص الذي انتخب ولاي جهة انتخب. وقد تم تصميم هذا النموذج الفريد لهذا الغرض بالذات من قبل مركز المعلوماتية في النقابة.
نموذج عن طريقة اختيار المرشحين بعد تمرير البطاقة
ثالثاً: النتائج القانونية المتأتية عن برنامج الاقتراع الالكتروني
ان اعتماد نظام الاقتراع الالكتروني، كما اسلفنا مسند على المادة 50 من قانون تنظيم مهنة المحاماة معطوفة على المادة 48 من النظام الداخلي للنقابة. وبذلك تكون النتائج التي يقوم نقيب المحامين بإعلانها قانونية بشكل لا يرقى اليه الشك. فهو المؤتمن على ادارة العملية الانتخابية من جهة، ومن جهة ثانية، هو يقوم بإقفال نظام الاقتراع الالكتروني، بعد التأكد من خلو قاعدة بياناته من الاصوات، ويفتح النظام لإعلان النتيجة من جهة ثانية.
في الواقع، وقبيل اعلان افتتاح صناديق الاقتراع الرقمية، يقوم نقيب المحامين بتشفير النظام عبر استعمال مفتاح خاص يختاره من تلقاء ذاته ويحتفظ به لحين اعلان اقفال الصناديق الرقمية. وعند اقفال الصناديق، يقوم النقيب بفك شيفرة النظام وبفتحه عبر المفتاح خاصته لإعلان النتيجة. وهذه الآلية المشفّرة، انما تعطي الضمانات التقنية والمعلوماتية اللازمة، وتُثبت ضمان موثوقية وسلامة محتوى برنامج الاقتراع الإلكتروني.
نموذج عن اعلان نتائج الاقتراع الالكتروني مع النسب المئوية لكل مرشح
في النتيجة، يعطي برنامج الاقتراع الالكتروني نتائج رقمية وحسابية نهائية وجازمة، سيما على مستوى تطابق عدد المقترعين مع الاصوات المحتسبة على النظام، تطابق الاصوات المحتسبة مع عدد البطاقات المقترع بواسطتها، وتطابق الاصوات المدلى بها على الملقمان الاحتياطيان (Back up servers)... وبالتالي ينحصر، كي لا نقول ينعدم، دور الماكينات الانتخابية ومندوبي المرشحين بعدّ الاصوات المقترعة، جرد الاشخاص المقترعين، ومراقبة عملية التدقيق بهوية الاشخاص الناخبين في حال ارتأوا ذلك. اذ بدخول الناخب وراء العازل الالكتروني، يصبح هذا الاخير منفرداً بالنظام مختلياً بذاته لانتقاء المرشحين بشكل انفرادي، اي اسماً اسماً لا لائحة مغلقة، وهو امر يعطي الناخب حرية اكبر في اختيار مرشحيه.
وعليه، وبالرغم من ان طريق الطعن دوماً مفتوحاً امام كل صاحب صفة ومصلحة، فإن قاعدة بيانات النظام انما تعطي مجموعاً حسابياً دقيقاً من جهة، ومن جهة ثانية فإن اغلاق او اقفال النظام بطريقة التشفير انما تقطع الطريق امام اي دخول غير مشروع على النظام من اي كان. وبالتالي، ان تطابق النتائج النهائية من جهة مع الارقام التسلسلية المقترعة مع خوارزميات اقفال النظام وفتحه من جهة ثانية، انما يشكل حلقة مغلقة لا تترك اي ثغرة يمكن الدخول منها.
وقد كان لافتاً في انتخابات 2019، استعمال اغلبية المرشحين الوسائل الالكترونية في حملاتهم الانتخابية، نذكر منها البريد الإلكتروني الذي يصل الى اغلبية المحامين وبكلفة زهيدة جداً، إنشاء مواقع الإلكترونية هادفة تشتمل على البرامج الانتخابية وعن سير المرشحين الذاتية، فتح صفحات او مجموعات إلكترونية على منتديات المناقشة او حملات على شبكات التواصل الإجتماعي تمتد الى فترات طويلة سابقة ولاحقة للانتخابات، هدفها اما اطلاق المناقشات او الحوارات او بث المواد الإنتخابية على انواعها، اضافة الى الإعلان الإنتخابي... فالممّيز في انتخابات نقابة المحامين في بيروت، ضرورة وجود لدى المرشح ارادة وعزيمة مستمرة تمكنه من الاستمرار بالمعركة الانتخابية، وان تطلبت في كثير من الاحيان سنوات من النضال والعمل النقابي.
نموذج عن الاحصاءات والرسوم التي يمكن النظام من انتاجها
في الواقع، بالرغم من ان قرار مجلس النقابة الكريم بإعتماد الاقتراع الالكتروني جاء محدداً مكانياً في حرم قصر العدل حصراً، بيد اننا ومن وجهة نظر شخصية نرى انه ليس ما يمنع قانونياً وعملياً من اعتماد الاقتراع الالكتروني عن بعد، طبعاً ضمن القيود والمعايير التقنية الخاصة بهذا العمل، والتي لا مجال لسردها هنا...
في النتيجة، الا يشكّل الويب اليوم اداة فعّالة متجاوزة للزمان وللحدود الجغرافية تساعد اولاً واخراً الأفراد على التواصل فيما بينهم في العالم اجمع. فبواسطة شبكة الشبكات، تمكّنت اليوم الشعوب من التحرّر، من تنظيم ثورات واسقاط انظمة، اليست كل هذه الإنجازات متجاوزة للمفاهيم المقيّدة كافة؟ وعليه لا شيء يمنع من اللجوء الى التصويت الالكتروني على اعمال قانونية محددة يوجب القانون اخضاعها للتصويت في جمعيات عامة.
في الواقع ان الويب اليوم هو اداة ربط بين الأفراد والمجتمعات يهدف الى الوصل والتواصل والمعرفة والى تأدية نتائج علمية، قانونية، ثقافية، اقتصادية وغيرها وغيرها من النتائج التي تعد ولا تحصى. لذلك، اننا نرى انه من الاجدى استخدام ثورة « المعلومات الرقمية » في خدمة راحة ورخاء النخبة من الناس اي المحامين.